responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 168
وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: سَفِهَ بِمَعْنَى: جَهِلَ، أَيْ: جَهِلَ أَمْرَ نَفْسِهِ فَلَمْ يُفَكِّرْ فِيهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمَعْنَى: أَهْلَكَ نَفْسَهُ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ وَالْمُبَرِّدُ: أَنَّ سَفِهَ بِكَسْرِ الفاء يتعدّى كسفه بفتح الفاء مشدّدة. قَالَ الْأَخْفَشُ: سَفِهَ نَفْسَهُ أَيْ: فَعَلَ بِهَا مِنَ السَّفَهِ مَا صَارَ بِهِ سَفِيهًا وَقِيلَ: إِنَّ نَفْسَهُ مُنْتَصِبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَقِيلَ: هُوَ تَمْيِيزٌ، وَهَذَانِ ضَعِيفَانِ جِدًّا. وَأَمَّا سَفُهَ بِضَمِّ الْفَاءِ:
فَلَا يَتَعَدَّى، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ وَثَعْلَبٌ. وَالِاصْطِفَاءُ: الِاخْتِيَارُ، أَيِ: اخْتَرْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَجَعَلْنَاهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَكَيْفَ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّتِهِ رَاغِبٌ؟. وَقَوْلُهُ: إِذْ قالَ لَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ:
اصْطَفَيْناهُ أَيِ: اخْتَرْنَاهُ وَقْتَ أَمْرِنَا لَهُ بِالْإِسْلَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ هُوَ: اذْكُرْ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: كَأَنَّهُ قِيلَ: اذْكُرْ ذَلِكَ الْوَقْتَ، لِيَعْلَمَ أَنَّهُ الْمُصْطَفَى الصَّالِحُ الَّذِي لَا يُرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ مِثْلِهِ، وَالضَّمِيرُ في قوله: وَوَصَّى بِها رَاجِعٌ إِلَى الْمِلَّةِ، أَوْ إِلَى الْكَلِمَةِ، أَيْ: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
وَهُوَ أَصْوَبُ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، أَيْ: قُولُوا أَسْلَمْنَا. انْتَهَى. وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِمَّنْ بَعْدَهُ هو اتباع ملته لا مجرد التكلم لكلمة الْإِسْلَامِ، فَالتَّوْصِيَةُ بِذَلِكَ أَلْيَقُ بِإِبْرَاهِيمَ وَأَوْلَى بِهِمْ. وَوَصَّى وَأَوْصَى: بِمَعْنًى، وَقُرِئَ بِهِمَا، وَفِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ: وَأَوْصَى وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهْلِ الشَّامِ وَالْمَدِينَةِ، وفي مصحف عبد الله ابن مَسْعُودٍ: وَوَصَّى وَهِيَ قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ وَيَعْقُوبُ مَعْطُوفٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، أَيْ: وَأَوْصَى يَعْقُوبُ بَنِيهِ كَمَا أوصى إبراهيم بنيه. وقرأ عمرو بن فائد الْأَسْوَارِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَكِّيُّ بِنَصْبِ يَعْقُوبَ، فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيمَنْ أَوْصَاهُ إِبْرَاهِيمُ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ يَعْقُوبَ لَمْ يُدْرِكْ جَدَّهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِنَّمَا وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَقَوْلُهُ: يا بَنِيَّ هُوَ بِتَقْدِيرِ: أَنْ. وَقَدْ قَرَأَ أُبَيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَالضَّحَّاكُ بِإِثْبَاتِهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: أُلْغِيَتْ أَنْ لِأَنَّ التَّوْصِيَةَ كَالْقَوْلِ، وَكُلُّ كَلَامٍ رَجَعَ إِلَى الْقَوْلِ جَازَ فِيهِ دُخُولُ أَنْ وَجَازَ فِيهِ إِلْغَاؤُهَا وَقِيلَ: إِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ، أَيْ: قَائِلًا يَا بَنِيَّ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْبَصْرِيِّينَ. وَقَوْلُهُ: اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ أَيِ: اخْتَارَهُ لَكُمْ، وَالْمُرَادُ: مِلَّتُهُ الَّتِي لَا يَرْغَبُ عَنْهَا إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ، وَهِيَ الْمِلَّةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فِيهِ إِيجَازٌ بَلِيغٌ. وَالْمُرَادُ الْزَمُوا الْإِسْلَامَ وَلَا تُفَارِقُوهُ حَتَّى تَمُوتُوا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ قَالَ: رَغِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَنْ مِلَّتِهِ، وَاتَّخَذُوا الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ بِدْعَةً لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ، تَرَكُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْلَامَ، وَبِذَلِكَ بَعَثَ الله نبيه محمدا بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ قَالَ: اخْتَرْنَاهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ قَالَ: وَصَّاهُمْ بِالْإِسْلَامِ، وَوَصَّى يَعْقُوبُ بَنِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي: محسنون بربكم الظنّ.

[سورة البقرة (2) : الآيات 133 الى 141]
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141)

نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 168
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست